فصل: 1794 - مسألة: من شهد على عدوه نظر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


1794 - مسألة‏:

وَمَنْ شَهِدَ عَلَى عَدُوِّهِ نُظِرَ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ تُخْرِجُهُ عَدَاوَتُهُ لَهُ إلَى مَا لاَ يَحِلُّ فَهِيَ جُرْحَةٌ فِيهِ تَرُدُّ شَهَادَتَهُ لِكُلِّ أَحَدٍ ‏,‏ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ لاَ تُخْرِجُهُ عَدَاوَتُهُ إلَى مَا لاَ يَحِلُّ فَهُوَ عَدْلٌ يُقْبَلُ عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابِنَا‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏:‏ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ فِي شَيْءٍ أَصْلاً

وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ‏.‏

وقال مالك كَذَلِكَ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَدْلاً مُبَرَّزًا فِي الْعَدَالَةِ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي عِيَالِهِ فَلاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ‏.‏

وقال الشافعي ‏:‏ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ فِيهِ خَاصَّةً ‏,‏ وَتَجُوزُ لَهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ

وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ‏,‏ وَأَبِي ثَوْرٍ‏.‏

وَكَذَلِكَ قَالُوا ‏:‏ فِي الْوَكِيلِ سَوَاءً سَوَاءً‏.‏

وقال مالك ‏:‏ إنْ كَانَ مُنْضَافًا إلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ لَهُ ‏,‏ وَلَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏,‏ وَمَالِكٌ ‏:‏ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْخَصْمِ ‏,‏ لاَ لِلَّذِي وَكَّلَهُ ‏,‏ وَلاَ لِلَّذِي وُكِّلَ عَلَى أَنْ يُخَاصِمَهُ‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏:‏ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْفُقَرَاءِ وَالسُّؤَّالِ

وقال مالك ‏:‏ لاَ تَجُوزُ إِلاَّ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى ‏:‏ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ فَقِيرٍ وَأَشَارَ شَرِيكٌ إلَى ذَلِكَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا فِي هَؤُلاَءِ مَقْبُولُونَ لِكُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا ‏,‏ كَالأَجْنَبِيَّيْنِ ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِ

مَا رُوِّينَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ ‏,‏ وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الظِّنَّةِ ‏,‏ وَلاَ الْإِحْنَةِ ، وَلاَ شَهَادَةُ خَصْمٍ ‏,‏ وَلاَ ظَنِينٍ ‏,‏ وَلاَ الْقَانِعِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ لَهُمْ‏.‏ وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ ‏:‏ لاَ تَجُوزُ عَلَيْك شَهَادَةُ الْخَصْمِ ‏,‏ وَلاَ الشَّرِيكِ ‏,‏ وَلاَ الأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَلَمْ يَصِحَّ لاَ أُجِيزُ شَهَادَةَ وَصِيٍّ ‏,‏ وَلاَ وَلِيٍّ ‏,‏ لأََنَّهُمَا خَصْمَانِ‏.‏ وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ ‏:‏ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا ‏,‏ وَتَجُوزُ لَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ‏.‏ وَعَنْ شُرَيْحٍ مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الإِسْلاَمِ ‏:‏ أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَمْعَانَ وَهُوَ كَذَّابٌ لَمْ يَكُنْ السَّلَفُ يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الْقَانِعِ

قال أبو محمد ‏:‏ الْقَانِعُ السَّائِلُ ‏,‏ وَصَحَّ عَنْ رَبِيعَةَ ‏:‏ تُرَدُّ شَهَادَةُ الْخَصْمِ ‏,‏ وَالظَّنِينِ فِي خَلاَئِقِهِ ‏,‏ وَشَكْلِهِ ‏,‏ وَمُخَالَفَتِهِ الْعُدُولَ فِي سِيرَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُوقَفْ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَتُرَدُّ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ‏.‏ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ‏:‏ تُرَدُّ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ‏.‏ هَذَا كُلُّ مَا يُذْكَرُ فِي ذَلِكَ عَمَّنْ سَلَفَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ أَمَّا الآثَارُ فِي ذَلِكَ فَكُلُّهَا بَاطِلٌ ‏;‏ لأََنَّ بَعْضَهَا مَرْوِيٌّ مُنْقَطِعٌ ‏,‏

وَمِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنَ رَاشِدٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ‏.‏ أَوْ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى الأَسْلَمِيِّ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ وَصَفَهُ بِذَلِكَ مَالِكٌ ‏,‏ وَغَيْرُهُ‏.‏ أَوْ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَهِيَ صَحِيفَةٌ‏.‏ أَوْ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ‏.‏ أَوْ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ طَلْحَةَ ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُمَا فِي النَّاسِ‏.‏ أَوْ مُرْسَلاَنِ ‏:‏ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَمْعَانَ ‏,‏ وَقَدْ كَذَّبَهُمَا مَالِكٌ ‏,‏ وَغَيْرُهُ‏.‏ أَوْ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ الْجَزَرِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَإِنْ كَانَ ابْنُ سِنَانٍ فَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ‏.‏ أَوْ مُرْسَلٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ‏.‏ وَكُلُّ هَذَا لاَ يَحِلُّ الأَحْتِجَاجُ بِهِ‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ مُخَالِفَةً لَهُمْ ‏;‏ لأََنَّ فِيهَا أَنْ لاَ تَجُوزَ شَهَادَةُ ذِي الْغِمْرِ عَلَى أَخِيهِ مُطْلَقًا عَامًّا

وَهُوَ قَوْلُنَا وَهُمْ يَمْنَعُونَهَا مِنْ الْقَبُولِ عَلَى عَدُوِّهِ فَقَطْ ‏,‏ وَيُجِيزُونَهَا عَلَى غَيْرِهِ وَهَذَا خِلاَفٌ لِتِلْكَ الآثَارِ‏.‏

وَأَمَّا شَهَادَةُ الْخَصْمِ ‏:‏ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ لِنَفْسِهِ الْمُخَاصِمَ لاَ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ بِلاَ شَكٍّ‏.‏ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِتِلْكَ الآثَارِ لَوْ صَحَّتْ ‏,‏ فَكَيْفَ وَهِيَ لاَ تَصِحُّ‏.‏ ثُمَّ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ ‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَنْ لاَ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى‏}‏ فَأَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْعَدْلِ عَلَى أَعْدَائِنَا‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ مَنْ حَكَمَ بِالْعَدْلِ عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ صَدِيقِهِ أَوْ لَهُمَا ‏,‏ أَوْ شَهِدَ وَهُوَ عَدْلٌ عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ صَدِيقِهِ أَوْ لَهُمَا ‏,‏ فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ وَحُكْمُهُ نَافِذٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَ مَالِكًا إلَى الْقَوْلِ بِرَدِّ شَهَادَةِ الصَّدِيقِ الْمُلاَطِفِ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ رَدَّ شَهَادَةَ الْفَقِيرِ فَعَظِيمَةٌ ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا‏}‏ إلَى قَوْلِهِ ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ‏}‏ فَمَنْ رَدَّ شَهَادَةَ هَؤُلاَءِ لَخَاسِرٌ ‏,‏ وَإِنَّ مَنْ خَصَّهُمْ دُونَ سَائِرِ الْفُقَرَاءِ لَمُتَنَاقِضٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الأَقْوَالِ سَلَفًا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَصْلاً‏.‏ وَأَطْرَفُ شَيْءٍ قَوْلُ رَبِيعَةَ ‏:‏ تُرَدُّ شَهَادَةُ مَنْ خَالَفَ الْعُدُولَ فِي سِيرَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُوقَفْ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ ‏:‏ فَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا ‏,‏ لاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَطْلَقَهُ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

1795 - مسألة‏:

وَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الصِّبْيَانِ ‏,‏ لاَ ذُكُورِهِمْ ، وَلاَ إنَاثِهِمْ ‏,‏ وَلاَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ‏,‏ وَلاَ عَلَى غَيْرِهِمْ ‏,‏ لاَ فِي نَفْسٍ ، وَلاَ جِرَاحَةٍ ‏,‏ وَلاَ فِي مَالٍ ‏,‏ وَلاَ يَحِلُّ الْحُكْمُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ لاَ قَبْلَ افْتِرَاقِهِمْ ، وَلاَ بَعْدَ افْتِرَاقِهِمْ وَفِي هَذَا خِلاَفٌ كَثِيرٌ ‏:‏ فَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ إذَا جِيءَ بِهِمْ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ‏.‏ قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ ‏:‏ فَأَخَذَ الْقُضَاةُ بِقَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ شَهَادَتَهُمْ فِي خَاصٍّ مِنْ الأَمْرِ ‏,‏ لاَ فِي كُلِّ شَيْءٍ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ‏:‏ شَهَادَةُ الصَّبِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ جَائِزَةٌ ‏,‏ وَشَهَادَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْعَبْدِ جَائِزَةٌ‏.‏ قَالَ الْحَسَنُ ‏:‏ وَقَالَ مُعَاوِيَةُ ‏:‏ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ عَلَى الصِّبْيَانِ جَائِزَةٌ ‏,‏ مَا لَمْ يَدْخُلُوا الْبُيُوتَ فَيُعَلَّمُوا وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ ‏:‏ أَنَّ سِتَّةَ غِلْمَانٍ ذَهَبُوا يَسْبَحُونَ ‏,‏ فَغَرِقَ أَحَدُهُمْ ‏,‏ فَشَهِدَ ثَلاَثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ أَنَّهُمَا غَرَّقَاهُ ‏,‏ وَشَهِدَ اثْنَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ أَنَّهُمْ غَرَّقُوهُ ‏:‏ فَقَضَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى الثَّلاَثَةِ خُمُسَيْ الدِّيَةِ ‏,‏ وَعَلَى الاِثْنَيْنِ ثَلاَثَةَ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ‏.‏

وَرُوِّينَا أَيْضًا نَحْوَ هَذَا عَنْ مَسْرُوقٍ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ ‏:‏ أَنَّ ثَلاَثَةَ غِلْمَانٍ شَهِدُوا عَلَى أَرْبَعَةٍ ‏,‏ وَشَهِدَ الأَرْبَعَةُ عَلَى الثَّلاَثَةِ ‏,‏ فَجَعَلَ مَسْرُوقٌ عَلَى الأَرْبَعَةِ ثَلاَثَةَ أَسْبَاعِ الدِّيَةِ ‏,‏ وَعَلَى الثَّلاَثَةِ أَرْبَعَةَ أَسْبَاعِ الدِّيَةِ‏.‏

وَرُوِّينَا أَيْضًا ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ‏,‏ وَالزُّهْرِيِّ ‏:‏ جَوَازَ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ بِقَوْلِهِمْ مَعَ أَيْمَانِ الْمُدَّعِي مَا لَمْ يَتَفَرَّقُوا ‏,‏ وَأَنَّهُ قَضَى بِمِثْلِ مَا قَضَى بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي دِيَةِ ضِرْسٍ‏.‏ وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ ‏:‏ السُّنَّةُ أَنْ يُؤْخَذَ فِي شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْجِرَاحِ مَعَ أَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ‏.‏ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ‏:‏ أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْجِرَاحِ الْمُتَقَارِبَةِ ‏,‏ فَإِذَا بَلَغَتْ النُّفُوسَ قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ مَعَ أَيْمَانِ الطَّالِبِينَ‏.‏ وَعَنْ رَبِيعَةَ ‏:‏ جَوَازُ شَهَادَةِ بَعْضِ الصِّبْيَانِ عَلَى بَعْضٍ مَا لَمْ يَتَفَرَّقُوا‏.‏ وَعَنْ شُرَيْحٍ ‏:‏ أَنَّ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ تُقْبَلُ إذَا اتَّفَقُوا ‏,‏ وَلاَ تُقْبَلُ إذَا اخْتَلَفُوا ‏,‏ وَأَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ صِبْيَانٍ فِي مَأْمُومَةٍ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ ‏,‏ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ ‏:‏ قَبُولُ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَا لَمْ يَتَفَرَّقُوا‏.‏ وَعَنْ عَطَاءٍ ‏,‏ وَالْحَسَنِ ‏:‏ تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ عَلَى الصِّبْيَانِ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ‏:‏ تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ‏,‏ وَقَالَ ‏:‏ كَانُوا يُجِيزُونَهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى ‏:‏ تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ‏.‏

وقال مالك ‏:‏ تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ عَلَى الصِّبْيَانِ فَقَطْ ‏,‏ وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى صَغِيرٍ أَنَّهُ جَرَحَ كَبِيرًا ‏,‏ وَلاَ عَلَى كَبِيرٍ أَنَّهُ جَرَحَ صَغِيرًا ‏,‏ وَلاَ تَجُوزُ إِلاَّ فِي الْجِرَاحِ خَاصَّةً ‏,‏ وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الصَّبَايَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَصْلاً ‏,‏ وَلاَ تَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَهَادَةُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ عَبْدًا ‏,‏ فَإِنْ اخْتَلَفُوا لَمْ يُلْتَفَتْ شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِمْ وَقُضِيَ عَلَى جَمِيعِهِمْ بِالدِّيَةِ سَوَاءً‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ مَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ فَرْقًا بَيْنَ صَبِيٍّ وَصَبِيَّةٍ ، وَلاَ بَيْنَ عَبْدٍ مِنْهُمْ مِنْ حُرٍّ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِي شَيْءٍ أَصْلاً ‏,‏ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ عَنْ عُمَرَ ‏,‏ وَعُثْمَانَ فِي الصَّغِيرِ يَشْهَدُ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ ‏,‏ ثُمَّ يَبْلُغُ فَيَشْهَدُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ أَنَّهَا لاَ تُقْبَلُ‏.‏ وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ‏:‏ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي شَيْءٍ‏.‏ وَعَنْ عَطَاءٍ ‏:‏ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْغِلْمَانِ حَتَّى يَكْبَرُوا وَعَنْ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ‏,‏ وَسَالِمٍ ‏,‏ وَالنَّخَعِيِّ مِثْلُ قَوْلِ عَطَاءٍ‏.‏ وَعَنْ الْحَسَنِ ‏:‏ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْغِلْمَانِ عَلَى الْغِلْمَانِ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ ‏:‏ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ حَتَّى يَبْلُغُوا‏.‏ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ ‏,‏ وَشُرَيْحٍ ‏:‏ أَنَّهُمَا كَانَا يَقْبَلاَنِهَا إذَا ثَبَتُوا عَلَيْهَا حَتَّى يَبْلُغُوا‏.‏ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي غِلْمَانٍ شَهِدَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِكَسْرِ يَدِ صَبِيٍّ مِنْهُمْ فَقَالَ ‏:‏ لَمْ تَكُنْ شَهَادَةُ الْغِلْمَانِ فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ تُقْبَلُ وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِذَلِكَ مَرْوَانُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَبِمِثْلِ قَوْلِنَا يَقُولُ مَكْحُولٌ ‏,‏ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ‏,‏ وَابْنُ شُبْرُمَةَ ‏,‏ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ ‏,‏ وَأَبُو عُبَيْدَةَ ‏,‏ وَأَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏,‏ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ لَمْ نَجِدْ لِمَنْ أَجَازَ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ حُجَّةً أَصْلاً ‏,‏ لاَ مِنْ قُرْآنٍ ‏,‏ وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ ‏,‏ وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٍ ‏,‏ وَلاَ نَظَرٍ ‏,‏ وَلاَ احْتِيَاطٍ ‏,‏ بَلْ هُوَ قَوْلٌ مُتَنَاقِضٌ ‏,‏ لأََنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ شَهَادَتِهِمْ عَلَى كَبِيرٍ أَوْ لِكَبِيرٍ ‏,‏ وَبَيْنَ شَهَادَتِهِمْ عَلَى صَغِيرٍ أَوْ لِصَغِيرٍ‏.‏ وَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ الْجِرَاحِ وَغَيْرِهَا ‏,‏ فَلَمْ يُجِزْهَا فِي تَخْرِيقِ ثَوْبٍ يُسَاوِي رُبُعَ دِرْهَمٍ ‏,‏ وَأَجَازَهَا فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحِ‏.‏ وَفَرَّقَ بَيْنَ الصَّبَايَا وَالصِّبْيَانِ وَهَذَا كُلُّهُ تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ ‏,‏ وَخَطَأٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ ‏,‏ وَأَقْوَالٌ لاَ يَحِلُّ قَبُولُهَا مِنْ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِنَا هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ‏}‏ وَقَالَ ‏:‏ ‏{‏مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ‏}‏ وَلَيْسَ الصِّبْيَانُ ذَوَيْ عَدْلٍ ، وَلاَ يَرْضَاهُمْ‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ ‏,‏ فَذَكَرَ الصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ‏.‏ وَلَيْسَ فِي الْعَجَبِ أَكْثَرُ مِنْ رَدِّ شَهَادَةِ عَبْدٍ فَاضِلٍ ‏,‏ صَالِحٍ عَدْلٍ ‏,‏ رَضِيٍّ وَتُقْبَلُ شَهَادَةِ صَبِيَّيْنِ لاَ عَقْلَ لَهُمَا ‏,‏ وَلاَ دِينَ ‏,‏ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1796 - مسألة‏:‏

وَحُكْمُ الْقَاضِي لاَ يُحِلُّ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَ قَضَائِهِ ‏,‏ وَلاَ يُحَرِّمُ مَا كَانَ حَلاَلاً قَبْلَ قَضَائِهِ ‏,‏ إنَّمَا الْقَاضِي مُنَفِّذٌ عَلَى الْمُمْتَنِعِ فَقَطْ لاَ مَزِيَّةَ لَهُ سِوَى هَذَا‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏:‏ لَوْ أَنَّ امْرَأً رَشَا شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا لَهُ بِزُورٍ أَنَّ فُلاَنًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فُلاَنَةَ ‏,‏ وَأَعْتَقَ أَمَتَهُ فُلاَنَةَ وَهُمَا كَاذِبَانِ مُتَعَمِّدَانِ ، وَأَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ بَعْدَ الْعِدَّةِ رَضِيَتَا بِفُلاَنٍ زَوْجًا ‏,‏ فَقَضَى الْقَاضِي بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ ‏,‏ فَإِنَّ وَطْءَ تَيْنِكَ الْمَرْأَتَيْنِ ‏:‏ حَلاَلٌ لِلْفَاسِقِ الَّذِي شَهِدُوا لَهُ بِالزُّورِ ‏,‏ وَحَرَامٌ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْبَاطِلِ‏.‏

وَكَذَلِكَ مَنْ أَقَامَ شَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى فُلاَنٍ أَنَّهُ أَنْكَحَهُ ابْنَتَهُ بِرِضَاهَا وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ تَرْضَهُ قَطُّ ‏,‏ وَلاَ زَوَّجَهَا إيَّاهُ أَبُوهَا فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ‏,‏ فَوَطْؤُهُ لَهَا حَلاَلٌ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ مَا نَعْلَمُ مُسْلِمًا قَبْلَهُ أَتَى بِهَذِهِ الطَّوَامِّ ‏,‏ وَنَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهَا وَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدَا زُورٍ فِي أُمِّهِ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ ‏,‏ وَأَنَّهَا قَدْ رَضِيَتْ بِهِ زَوْجًا ‏,‏ أَوْ عَلَى حُرٍّ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَقَضَى لَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَمَا عُلِمَ مُسْلِمٌ قَطُّ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها ، أَنَّهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام ‏:‏ إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَلَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ بِمَا أَسْمَعُ وَأَظُنُّهُ صَادِقًا فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ صَاحِبِهِ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَدَعْهَا فَإِذَا كَانَ حُكْمُهُ عليه الصلاة والسلام وَقَضَاؤُهُ لاَ يُحِلُّ لأََحَدٍ مَا كَانَ عَلَيْهِ حَرَامًا فَكَيْفَ الْقَوْلُ فِي قَضَاءِ أَحَدٍ بَعْدَهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْخِذْلاَنِ‏.‏

1797 - مسألة‏:‏

وَلاَ يَحِلُّ التَّأَنِّي فِي إنْفَاذِ الْحُكْمِ إذَا ظَهَرَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابِنَا‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏:‏ إذَا طَمِعَ الْقَاضِي أَنْ يَصْطَلِحَ الْخَصْمَانِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَرُدَّهُمَا الْمَرَّةَ وَالْمَرَّتَيْنِ ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ فِي ذَلِكَ فَصَلَ الْقَضَاءَ‏.‏

وقال مالك ‏:‏ لاَ بَأْسَ بِتَرْدِيدِ الْخُصُومِ ‏,‏ ثُمَّ رَأَى أَنْ يُجْعَلَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً غَائِبَةً ‏:‏ أَجَلٌ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ ‏,‏ ثُمَّ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ ‏,‏ ثُمَّ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ ‏,‏ ثُمَّ تَلْزَمُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ ‏,‏ فَذَلِكَ ثَلاَثُونَ يَوْمًا لاَ يُعَدُّ فِي الثَّمَانِيَةِ يَوْمُ تَأْجِيلِ الْحَاكِمِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفَاسِدٌ ‏;‏ لأََنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ تَرْدِيدِ مَرَّتَيْنِ وَتَرْدِيدِ ثَلاَثِ مِرَارٍ أَوْ أَرْبَعٍ ‏,‏ وَهَكَذَا مَا زَادَ إلَى انْقِضَاءِ الْعُمْرِ ‏,‏ وَإِلَّا فَ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ مَعَ عَظِيمِ فَسَادِهِ ‏,‏ لأََنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ تَأْجِيلِ ثَلاَثِينَ يَوْمًا ‏,‏ وَبَيْنَ تَأْجِيلِ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ ‏,‏ أَوْ عَامٍ ‏,‏ أَوْ عَامَيْنِ ‏,‏ أَوْ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ ادَّعَى بَيِّنَةً عَلَى نِصْفِ شَهْرٍ وَبَيْنَ مَنْ ادَّعَاهَا بِخُرَاسَانَ ‏,‏ وَهُوَ بِالأَنْدَلُسِ أَوْ ادَّعَاهَا بِالأَنْدَلُسِ ‏,‏ وَهُوَ بِخُرَاسَانَ ‏,‏ وَهَلْ هُوَ إِلاَّ التَّحَكُّمُ بِالْبَاطِلِ

قال أبو محمد ‏:‏

وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِالرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ ‏:‏ رَدِّدُوا الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُورِثُ الضَّغَائِنَ‏.‏

قال علي ‏:‏ هذا لاَ يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ ‏;‏ لأََنَّ أَحْسَنَ طُرُقِهِ ‏:‏ مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ أَنَّ عُمَرَ وَمُحَارِبٌ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ ‏;‏ لأََنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَصِحَّ هَذَا عَنْ عُمَرَ ‏;‏ لأََنَّ فِيهِ الْمَنْعَ جُمْلَةً مِنْ إنْفَاذِ الْحَقِّ ‏;‏ لأََنَّ عِلَّةَ تَوْرِيثِ الضَّغَائِنِ مَوْجُودَةٌ فِي ذَلِكَ أَبَدًا ‏,‏ فَإِنْ وَجَبَ أَنْ يُرَاعَى وَجَبَ ذَلِكَ أَبَدًا ‏,‏ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ أَنْ يُرَاعَى فَلاَ يَجِبُ ذَلِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ ‏,‏ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ خَالَفُوهُ ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يَحُدَّ شَهْرًا ، وَلاَ شَهْرَيْنِ‏.‏ وَفِي الرِّسَالَةِ الْمَكْذُوبَةِ عَنْ عُمَرَ ‏:‏ اجْعَلْ لِمَنْ ادَّعَى حَقًّا غَائِبًا أَوْ بَيِّنَةً أَمَدًا يَنْتَهِي إلَيْهِ فَإِنْ أَحْضَرَ بَيِّنَتَهُ إلَى ذَلِكَ الأَمَدِ ‏:‏ أَخَذْت لَهُ بِحَقِّهِ ‏,‏ وَإِلَّا أَوْجَبْت عَلَيْهِ الْقَضَاءَ ‏,‏ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ لِلْعُذْرِ وَأَجْلَى لِلْعَمَى‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَهَذَا لاَ يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ ‏,‏ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ خَالَفَهُ مَالِكٌ ‏;‏ لأََنَّ عُمَرَ لَمْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ شَهْرًا ، وَلاَ أَقَلَّ ، وَلاَ أَكْثَرَ وَهَذَا كُلُّهُ لَمْ يَأْتِ قَطُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَدَّ خُصُومًا بَعْدَ مَا ظَهَرَ الْحَقُّ بَلْ قَضَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الطَّالِبِ ‏,‏ وَأَلْزَمَ الْمُنْكِرَ الْيَمِينَ فِي الْوَقْتِ وَأَمَرَ الْمُقِرَّ بِالْقَضَاءِ فِي الْوَقْتِ‏.‏

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ‏}‏‏.‏ فَمَنْ حَكَمَ بِالْحَقِّ حِينَ يَبْدُو إلَيْهِ فَقَدْ قَامَ بِالْقِسْطِ ‏,‏ وَأَعَانَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَسَارَعَ إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّهِ ‏,‏ وَمَنْ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَلَمْ يُسَارِعْ إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّهِ ، وَلاَ قَامَ بِالْقِسْطِ ‏,‏ وَلاَ أَعَانَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى‏.‏

1798 - مسألة‏:‏

وَإِذَا تَدَاعَى الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ بَعْدَ الطَّلاَقِ ‏,‏ أَوْ بِغَيْرِ طَلاَقٍ ‏,‏ أَوْ تَدَاعَى الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا ‏,‏ فَهُوَ كُلُّهُ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ مَعَ الأَيْمَانِ ‏,‏ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا لاَ يَصْلُحُ إِلاَّ لِلرِّجَالِ كَالسِّلاَحِ وَنَحْوِهِ ‏,‏ أَوْ مِمَّا لاَ يَصْلُحُ إِلاَّ لِلنِّسَاءِ كَالْحُلِيِّ وَنَحْوِهِ ‏,‏ أَوْ كَانَ مِمَّا يَصْلُحُ لِلْكُلِّ‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا كَثِيرًا ‏:‏ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ ‏:‏ الْبَيْتُ لِلْمَرْأَةِ إِلاَّ مَا عُرِفَ لِلرَّجُلِ‏.‏

وبه إلى مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ مِثْلُ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ ‏:‏ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ فَلِلْمَرْأَةِ مَا أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابُهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ ‏:‏ لَيْسَ لِلرَّجُلِ إِلاَّ سِلاَحُهُ وَثِيَابُ جِلْدِهِ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى ‏:‏ كُلُّ مَا فِي الْبَيْتِ فَلِلرَّجُلِ إِلاَّ مَا كَانَ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ الثِّيَابِ ‏,‏ وَالدِّرْعِ ‏,‏ وَالْخِمَارِ‏.‏ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ ‏:‏ مَا كَانَ مِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ فَلِلرَّجُلِ ‏,‏ وَمَا كَانَ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ فَلِلْمَرْأَةِ ‏,‏ وَمَا صَلَحَ لَهُمَا فَهُوَ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا فِي مَوْتِ أَحَدِهِمَا ‏,‏

وَأَمَّا فِي الْفُرْقَةِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ الأَيْمَانِ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالآخَرُ مَمْلُوكًا ‏,‏ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِلْحُرِّ مَعَ يَمِينِهِ‏.‏ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَذَلِكَ ‏,‏ إِلاَّ فِي الْمَوْتِ فَإِنَّهُ لِلرَّجُلِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ مَعَ الْيَمِينِ‏.‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ‏:‏ مَا كَانَ لاَ يَصْلُحُ إِلاَّ لِلنِّسَاءِ فَإِنَّهُ يَقْضِي مِنْهُ لِلْمَرْأَةِ مَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا ‏,‏ إِلاَّ زَوْجَهَا وَالْبَاقِي مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ الْمَوْتُ وَالطَّلاَقُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ‏.‏ وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ ‏,‏ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ ‏,‏ وَزُفَرُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ مَا صَلَحَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ ‏,‏ وَمَا صَلَحَ لِلنِّسَاءِ فَلِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَمَا صَلَحَ لَهُمَا فَبَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ مَعَ أَيْمَانِهِمَا‏.‏

وقال مالك ‏:‏ مَا صَلَحَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ ‏,‏ وَمَا صَلَحَ لِلْمَرْأَةِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا ‏,‏ وَمَا صَلَحَ لَهُمَا فَهُوَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ الْمَوْتُ وَالْفُرْقَةُ سَوَاءٌ‏.‏

وَقَالَ أبو محمد ‏:‏ كُلُّ هَذِهِ آرَاءٌ يَكْفِي مِنْ فَسَادِهَا تَخَاذُلُهَا ‏,‏ وَمَا نَعْلَمُ لِمَالِكٍ أَحَدًا تَقَدَّمَهُ إلَى قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ إذَا وَجَبَ عِنْدَهُمْ الْقَضَاءُ بِمَا لاَ يَصْلُحُ إِلاَّ لِلرِّجَالِ لِلرَّجُلِ ‏,‏ وَمَا لاَ يَصْلُحُ إِلاَّ لِلنِّسَاءِ لِلْمَرْأَةِ ‏,‏ فَأَيُّ مَعْنًى لِلأَيْمَانِ فِي ذَلِكَ ‏,‏ إذْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لِمَنْ قَضَوْا لَهُ بِهِ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ بَعْدُ ‏,‏ فَمَا أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ مِنْ الآخَرِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ‏,‏ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ‏,‏ وَشَرِيكٌ ‏,‏ وَزُفَرُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُهُمَا ‏,‏ كَمَا

قلنا نَحْنُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ الْبَيْتُ بِأَيْدِيهِمَا فَصَحَّ أَنَّهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ ‏,‏ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا بِيَدِهِ ‏,‏ وَلَهُ الْيَمِينُ عَلَى الآخَرِ فِيمَا ادَّعَى مِمَّا بِيَدِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَخٍ وَأُخْتٍ تَنَازَعَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ ‏,‏ أَوْ أُمٍّ وَابْنِهَا ‏:‏ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا بِأَيْمَانِهِمَا ‏,‏ وَلاَ اخْتَلَفُوا فِي أَخَوَيْنِ سَاكِنَيْنِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ ‏,‏ أَحَدُهُمَا ‏:‏ دَبَّاغٌ ‏,‏ وَالآخَرُ ‏:‏ عَطَّارٌ ‏,‏ فَتَدَاعَيَا فِيمَا فِي الْبَيْتِ ‏,‏ وَالدَّارِ فَإِنَّهُ بَيْنَهُمَا بِأَيْمَانِهِمَا ‏,‏ وَلَمْ يَقْضُوا لِلدَّبَّاغِ بِآلاَتِ الدِّبَاغِ ‏,‏ وَلاَ لِلْعَطَّارِ بِمَتَاعِ الْعِطْرِ ‏,‏ وَهَذَا تَنَاقُضٌ لاَ خَفَاءَ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1799 - مسألة‏:‏

وَيُحْكَمُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ بِحُكْمِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي كُلِّ شَيْءٍ رَضُوا أَمْ سَخِطُوا ‏,‏ أَتَوْنَا أَوْ لَمْ يَأْتُونَا ، وَلاَ يَحِلُّ رَدُّهُمْ إلَى حُكْمِ دِينِهِمْ ‏,‏ وَلاَ إلَى حُكَّامِهِمْ أَصْلاً‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ ‏:‏ سَمِعْت بَجَالَةَ التَّمِيمِيَّ قَالَ ‏:‏ أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ ‏:‏ أَنْ اُقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ ‏,‏ وَفَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ ‏,‏ وَانْهَوْهُمْ عَنْ الزَّمْزَمَةِ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ ‏:‏ أَهْلُ الذِّمَّةِ إذَا كَانُوا فِينَا فَحَدُّهُمْ كَحَدِّ الْمُسْلِمِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي الْمَوَارِيثِ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ ‏:‏ يُحْكَمُ عَلَيْهِمْ بِمَا فِي كِتَابِنَا

وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابِنَا‏.‏

وَرُوِّينَا غَيْرَ هَذَا ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ قَابُوسَ بْنِ مُخَارِقِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ كَتَبَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي مُسْلِمٍ زَنَى بِنَصْرَانِيَّةٍ فَكَتَبَ إلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ‏:‏ أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ عَلَى الْمُسْلِمِ ‏,‏ وَتُرَدُّ النَّصْرَانِيَّةُ إلَى أَهْلِ دِينِهَا

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَالِكٍ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ هَذَا لاَ يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ ‏;‏ لأََنَّ فِيهِ سِمَاكَ بْنَ حَرْبٍ وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ وَقَابُوسُ بْنُ الْمُخَارِقِ وَأَبُوهُ مَجْهُولاَنِ فَبَطَلَ أَنْ يَصِحَّ عَنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرُ

مَا رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ‏.‏ وَقَالَ الْمُخَالِفُونَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏لاَ إكْرَاهَ فِي الدِّينِ‏}‏ فَإِذَا حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ حُكْمِ دِينِهِمْ فَقَدْ أُكْرِهُوا عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ‏.‏ ‏.‏

فَقُلْنَا ‏:‏ إنْ كَانَتْ هَذِهِ الآيَةُ تُوجِبُ أَنْ لاَ يُحْكَمَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ حُكْمِ دِينِهِمْ فَأَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَهَا فَأَقْرَرْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِخِلاَفِ الْحَقِّ ‏,‏ وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا ‏;‏ لأََنَّكُمْ تَقْطَعُونَهُمْ فِي السَّرِقَةِ بِحُكْمِ دِينِنَا ‏,‏ لاَ بِحُكْمِ دِينِهِمْ ‏,‏ وَتَحُدُّونَهُمْ فِي الْقَذْفِ بِحُكْمِ دِينِنَا لاَ بِحُكْمِ دِينِهِمْ ‏,‏ وَتَمْنَعُونَهُمْ مِنْ إنْفَاذِ حُكْمِ دِينِهِمْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَتْلِ وَالْخَطَأِ ‏,‏ وَبَيْعِ الأَحْرَارِ ‏,‏ فَقَدْ تَنَاقَضْتُمْ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ هَذَا ظُلْمٌ لاَ يُقَرُّونَ عَلَيْهِ‏.‏

‏.‏

فَقُلْنَا لَهُمْ ‏:‏ وَكُلُّ مَا خَالَفُوا فِيهِ حُكْمَ الإِسْلاَمِ فَهُوَ ظُلْمٌ لاَ يُقَرُّونَ عَلَيْهِ‏.‏ وَقَالُوا ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ‏}‏ ‏.‏

فَقُلْنَا ‏:‏ هَذِهِ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَهَا قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ‏}‏ فَقَالُوا ‏:‏ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

قلنا ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ‏:‏ نُسِخَتْ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ آيَتَانِ ‏:‏ آيَةُ ‏:‏ الْقَلاَئِدَ

وَقَوْله تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ‏}‏ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنَهُمْ ‏,‏ وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ فَرَدَّهُمْ إلَى أَحْكَامِهِمْ ‏,‏ فَنَزَلَتْ ‏:‏ وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا فِي كِتَابِنَا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَهَذَا مُسْنَدٌ ‏;‏ لأََنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَ بِنُزُولِ الآيَةِ فِي ذَلِكَ

وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ ‏,‏ وَعِكْرِمَةَ‏.‏

وَأَيْضًا ‏:‏ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏:‏ ‏{‏وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ‏}‏ وَالدِّينُ فِي الْقُرْآنِ وَاللُّغَةِ يَكُونُ الشَّرِيعَةَ ‏,‏ وَيَكُونُ الْحُكْمَ ‏,‏ وَيَكُونُ الْجَزَاءَ ‏,‏ فَالْجَزَاءُ فِي الآخِرَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لاَ إلَيْنَا‏.‏ وَالشَّرِيعَةُ قَدْ صَحَّ أَنْ نُقِرَّهُمْ عَلَى مَا يَعْتَقِدُونَ إذَا كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ ‏,‏ فَبَقِيَ الْحُكْمُ ‏,‏ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ حُكْمَ اللَّهِ كَمَا أَمَرَ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ فَاحْكُمُوا عَلَيْهِمْ بِالصَّلاَةِ ‏,‏ وَالصِّيَامِ ‏,‏ وَالْحَجِّ ‏,‏ وَالْجِهَادِ ‏,‏ وَالزَّكَاةِ‏.‏

قلنا ‏:‏ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُلْزِمْهُمْ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَخَرَجَ بِنَصِّهِ وَبَقِيَ سَائِرُ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ عَلَى حُكْمِ الإِسْلاَمِ ، وَلاَ بُدَّ‏.‏ وَصَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَتَلَ يَهُودِيًّا قَوَدًا بِصَبِيَّةٍ مُسْلِمَةٍ وَرَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى حُكْمِ دِينِهِمْ‏.‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِآبِدَةٍ مُهْلِكَةٍ ‏,‏ وَهِيَ أَنْ قَالُوا ‏:‏ إنَّمَا أَنْفَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجْمَ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ ‏,‏ كَمَا قَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا‏}‏‏.‏ ‏.‏

فَقُلْنَا ‏:‏ هَذَا كُفْرٌ مِمَّنْ قَالَهُ ‏,‏ إذْ جَعَلَهُ عليه الصلاة والسلام مُنَفِّذًا لِحُكْمِ الْيَهُودِ ‏,‏ تَارِكًا لِتَنْفِيذِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ حَاشَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وَأَيْضًا فَهَبْكَ أَنَّهُ كَمَا قُلْتُمْ فَارْجُمُوهُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ نَفْسِهِ ‏,‏ وَإِلَّا فَقَدْ جَوَّرْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

وَأَمَّا الآيَةُ ‏:‏ فَإِنَّمَا هِيَ خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّينَ السَّالِفِينَ فِيهِمْ ‏,‏ لأََنَّهُمْ لَيْسُوا لَنَا نَبِيِّينَ ‏,‏ إنَّمَا لَنَا نَبِيٌّ وَاحِدٌ فَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْنِيٍّ بِهَذِهِ الآيَةِ‏.‏

ثم نقول لَهُمْ ‏:‏ أَخْبِرُونَا عَنْ أَحْكَامِ دِينِهِمْ أَحَقٌّ هِيَ إلَى الْيَوْمِ مُحْكَمٌ أَمْ بَاطِلٌ مَنْسُوخٌ ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا ‏:‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ حَقٌّ مُحْكَمٌ كَفَرُوا جِهَارًا ‏,‏

وَإِنْ قَالُوا بَلْ بَاطِلٌ مَنْسُوخٌ‏.‏

قلنا ‏:‏ صَدَقْتُمْ ‏,‏ وَأَقْرَرْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ رَدَدْتُمُوهُمْ إلَى الْبَاطِلِ الْمَنْسُوخِ الْحَرَامِ ‏,‏ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ‏}‏ وَلَيْسَ مِنْ الْقِسْطِ تَرْكُهُمْ يَحْكُمُونَ بِالْكُفْرِ الْمُبَدَّلِ أَوْ بِحُكْمٍ قَدْ أَبْطَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى ‏,‏ أَوْ حَرَّمَ الْقَوْلَ بِهِ وَالْعَمَلَ بِهِ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ‏}‏‏.‏ وَمِنْ رَدَّهُمْ إلَى حُكْمِ الْكُفْرِ الْمُبَدَّلِ وَالأَمْرِ الْمَنْسُوخِ الْمُحَرَّمِ ‏,‏ فَلَمْ يُعِنْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ‏,‏ بَلْ أَعَانَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ‏}‏ وَالصَّغَارُ هُوَ جَرْيُ أَحْكَامِنَا عَلَيْهِمْ ‏,‏ فَإِذَا مَا تُرِكُوا يَحْكُمُونَ بِكُفْرِهِمْ فَمَا أَصْغَرْنَاهُمْ بَلْ هُمْ أَصْغَرُونَا وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

1800 - مسألة‏:‏

وَفُرِضَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ فِي الدِّمَاءِ ‏,‏ وَالْقِصَاصِ ‏,‏ وَالأَمْوَالِ ‏,‏ وَالْفُرُوجِ ‏,‏ وَالْحُدُودِ ‏,‏ وَسَوَاءٌ عَلِمَ ذَلِكَ قَبْلَ وِلاَيَتِهِ أَوْ بَعْدَ وِلاَيَتِهِ ‏,‏ وَأَقْوَى مَا حَكَمَ بِعِلْمِهِ ‏;‏ لأََنَّهُ يَقِينُ الْحَقِّ ‏,‏ ثُمَّ بِالْإِقْرَارِ ‏,‏ ثُمَّ بِالْبَيِّنَةِ‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ‏:‏ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ ‏:‏ لَوْ رَأَيْت رَجُلاً عَلَى حَدٍّ لَمْ أَدْعُ لَهُ غَيْرِي حَتَّى يَكُونَ مَعِي شَاهِدٌ غَيْرِي ‏,‏ وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ‏:‏ أَرَأَيْت لَوْ رَأَيْت رَجُلاً قَتَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ زَنَى قَالَ ‏:‏ شَهَادَتُك شَهَادَةُ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ ‏:‏ صَدَقْت وَأَنَّهُ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ مُعَاوِيَةَ ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ اُخْتُصِمَ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ يَعْرِفُهُ فَقَالَ لِلطَّالِبِ ‏:‏ إنْ شِئْت شَهِدْت وَلَمْ أَقْضِ ‏,‏ وَإِنْ شِئْت قَضَيْت وَلَمْ أَشْهَدْ‏.‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ اخْتَصَمَ إلَيْهِ اثْنَانِ فَأَتَاهُ أَحَدُهُمَا بِشَاهِدٍ ‏,‏ فَقَالَ لِشُرَيْحٍ وَأَنْتَ شَاهِدِي أَيْضًا ‏,‏ فَقَضَى لَهُ شُرَيْحٌ مَعَ شَاهِدِهِ بِيَمِينِهِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ‏:‏ لاَ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ فِي الزِّنَى‏.‏ وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ ‏:‏ لاَ أَكُونُ شَاهِدًا وَقَاضِيًا‏.‏

وقال مالك ‏,‏ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَحْمَدُ ‏,‏ وَأَبُو عُبَيْدَةَ ‏,‏ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ‏:‏ لاَ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ فِي شَيْءٍ أَصْلاً‏.‏ وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ‏:‏ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ بِالأَعْتِرَافِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ فِي الْحُدُودِ خَاصَّةً‏.‏ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ‏.‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ‏,‏ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي أَوَّلِ قَوْلَيْهِ ‏:‏ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ قِصَاصٍ وَغَيْرِهِ ‏,‏ إِلاَّ فِي الْحُدُودِ ‏,‏ وَسَوَاءٌ عَلِمَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏:‏ لاَ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ قَبْلَ وِلاَيَتِهِ الْقَضَاءَ أَصْلاً

وَأَمَّا مَا عَلِمَهُ بَعْدَ وِلاَيَتِهِ الْقَضَاءَ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ ‏,‏ إِلاَّ فِي الْحُدُودِ خَاصَّةً‏.‏ وَقَالَ اللَّيْثُ ‏:‏ لاَ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ إِلاَّ أَنْ يُقِيمَ الطَّالِبُ شَاهِدًا وَاحِدًا فِي حُقُوقِ النَّاسِ خَاصَّةً ‏,‏ فَيَحْكُمُ الْقَاضِي حِينَئِذٍ بِعِلْمِهِ مَعَ ذَلِكَ الشَّاهِدِ‏.‏ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ ‏:‏ كُلُّ مَا عَلِمَ قَبْلَ وِلاَيَتِهِ لَمْ يَحْكُمْ فِيهِ بِعِلْمِهِ ‏,‏ وَمَا عَلِمَ بَعْدَ وِلاَيَتِهِ حَكَمَ فِيهِ بِعِلْمِهِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ ‏,‏ وَذَلِكَ فِي حُقُوقِ النَّاسِ

وَأَمَّا الزِّنَا ‏:‏ فَإِنْ شَهِدَ بِهِ ثَلاَثَةٌ وَالْقَاضِي يَعْرِفُ صِحَّةَ ذَلِكَ حَكَمَ فِيهِ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ مَعَ عِلْمِهِ‏.‏ وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ ‏:‏ إنْ أَقَامَ الْمَقْذُوفُ شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلاً وَعَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ حَدَّ الْقَاذِفَ‏.‏

وقال الشافعي ‏,‏ وَأَبُو ثَوْرٍ ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُمْ كَمَا

قلنا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِيمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا عَلِمَ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَمَا عَلِمَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَوَجَدْنَاهُ قَوْلاً لاَ يُؤَيِّدُهُ قُرْآنٌ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ ‏,‏ وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٌ ‏,‏ وَلاَ أَحَدٌ قَالَهُ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا اُعْتُرِفَ بِهِ فِي مَجْلِسِهِ وَبَيْنَ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عَلِمَهُ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا كَمَا

قلنا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ ‏:‏ إنَّمَا جَلَسَ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا صَحَّ عِنْدَهُ‏.‏

قلنا ‏:‏ صَدَقْتُمْ ‏,‏ وَقَدْ صَحَّ عِنْدَهُ كُلُّ مَا عَلِمَ قَبْلَ وِلاَيَتِهِ ‏,‏ وَفِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ وَبَعْدَ ذَلِكَ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا شَهِدَ بِهِ عِنْدَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَبَيْنَ مَا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ عِنْدَهُ أَحَدٌ ‏:‏ فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا كَالْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ ‏,‏ لأََنَّهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ إنَّمَا حَكَمَ بِعِلْمِهِ فَقَطْ

وَهُوَ قَوْلُنَا‏.‏

وَأَمَّا حَاكِمٌ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ أَوْ بِثَلاَثَةٍ فِي الزِّنَى ‏,‏ فَهَذَا لاَ يَجُوزُ‏.‏

وَأَمَّا شَاهِدٌ حَاكِمٌ مَعًا ‏,‏ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ بِتَصْوِيبِ هَذَا الْوَجْهِ خَاصَّةً‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُ قَوْلاً لاَ يُعَضِّدُهُ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ‏,‏ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ‏.‏

قلنا ‏:‏ هَذَا بَاطِلٌ مَا صَحَّ قَطُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا فِي أَنْ يَحْكُمَ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِالْحَقِّ ‏,‏ فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ ‏:‏ لاَ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ فِي شَيْءٍ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ ‏:‏ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ ‏:‏ فَوَجَدْنَا مَنْ مَنَعَ مِنْ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ يَقُولُ ‏:‏ هَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ ‏,‏ وَعُمَرَ ‏,‏ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ ‏,‏ وَمُعَاوِيَةَ ‏,‏ وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ‏.‏ ‏.‏

فَقُلْنَا ‏:‏ هُمْ مُخَالِفُونَ لَكُمْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ ‏;‏ لأََنَّهُ إنَّمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ ‏:‏ إنَّهُ لاَ يُثِيرُهُ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ شَاهِدٌ آخَرُ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ ‏,‏ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏:‏ أَنَّ شَهَادَتَهُ شَهَادَةُ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ فَهَذَا يُوَافِقُ مَنْ رَأَى أَنْ يَحْكُمَ فِي الزِّنَى بِثَلاَثَةٍ هُوَ رَابِعُهُمْ ‏,‏ وَبِوَاحِدٍ مَعَ نَفْسِهِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ‏.‏

وَأَيْضًا فَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

وَأَيْضًا فَقَدْ خَالَفُوا أَبَا بَكْرٍ ‏,‏ وَعُمَرَ ‏,‏ وَعُثْمَانَ ‏,‏ وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ‏,‏ وَأَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ ‏,‏ وَابْنَ الزُّبَيْرِ فِي الْقِصَاصِ مِنْ اللَّطْمَةِ ‏,‏ وَمِنْ ضَرْبَةِ السَّوْطِ ‏,‏ وَمِمَّا دُونَ الْمُوضِحَةِ وَهُوَ عَنْهُمْ أَصَحُّ مِمَّا رَوَيْتُمْ عَنْهُمْ هَاهُنَا‏.‏ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ إِلاَّ ذَلِكَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَهَذَا قَدْ خَالَفَهُ الْمَالِكِيُّونَ الْمُحْتَجُّونَ بِهِ ‏,‏ فَجَعَلُوا لَهُ الْحُكْمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ ‏,‏ وَالْيَمِينِ مَعَ نُكُولِ خَصْمِهِ ‏,‏ وَلَيْسَ هَذَا مَذْكُورًا فِي الْخَبَرِ‏.‏ وَجَعَلَ لَهُ الْحَنَفِيُّونَ الْحُكْمَ بِالنُّكُولِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ‏.‏ وَأَمَرُوهُ بِالْحُكْمِ بِعِلْمِهِ فِي الأَمْوَالِ الَّتِي فِيهَا جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ‏.‏ فَقَدْ خَالَفُوهُ جِهَارًا وَأَقْحَمُوا فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ‏.‏ فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ بِرَأْيِهِ‏.‏

وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ ‏:‏ إنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ وَمِنْ الْبَيِّنَةِ الَّتِي لاَ بَيِّنَةَ أَبْيَنُ مِنْهَا صِحَّةُ عِلْمِ الْحَاكِمِ بِصِحَّةِ حَقِّهِ ‏,‏ فَهُوَ فِي جُمْلَةِ هَذَا الْخَبَرِ‏.‏ وَاحْتَجُّوا بِالثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أَنَّ عِيسَى عليه السلام رَأَى رَجُلاً يَسْرِقُ فَقَالَ لَهُ عِيسَى ‏:‏ سَرَقْتَ قَالَ ‏:‏ كَلًّا وَاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ ‏,‏ فَقَالَ عِيسَى عليه السلام ‏:‏ آمَنْتُ بِاَللَّهِ وَكَذَّبْت نَفْسِي فَقَالُوا ‏:‏ فَعِيسَى عليه السلام لَمْ يَحْكُمْ بِعِلْمِهِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ لَيْسَ يَلْزَمُنَا شَرْعُ عِيسَى عليه السلام ‏,‏ وَقَدْ يُخَرَّجُ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ يَسْرِقُ أَيْ يَأْخُذُ الشَّيْءَ مُخْتَفِيًا بِأَخْذِهِ ‏,‏ فَلَمَّا قَرَّرَهُ حَلَفَ ‏,‏ وَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا ‏,‏ لأََنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ مِنْ ظَالِمٍ لَهُ‏.‏ وَذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُهَا وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ‏;‏ لأََنَّ عِلْمَ الْحَاكِمِ أَبْيَنُ بَيِّنَةٍ وَأَعْدَلُهَا

وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي ‏"‏ كِتَابِ الْإِيصَالِ ‏"‏ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ‏.‏

وبرهان صِحَّةِ قَوْلِنَا ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ‏}‏‏.‏ وَلَيْسَ مِنْ الْقِسْطِ أَنْ يَتْرُكَ الظَّالِمَ عَلَى ظُلْمِهِ لاَ يُغَيِّرُهُ‏.‏ وَأَنْ يَكُونَ الْفَاسِقُ يُعْلِنُ الْكُفْرَ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ ‏,‏ وَالْإِقْرَارَ بِالظُّلْمِ ‏,‏ وَالطَّلاَقِ ‏,‏ ثُمَّ يَكُونُ الْحَاكِمُ يُقِرُّهُ مَعَ الْمَرْأَةِ ‏,‏ وَيَحْكُمُ لَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ ‏,‏ فَيَظْلِمُ أَهْلَ الْمِيرَاثِ حَقَّهُمْ‏.‏ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ إنْ عَلِمَ بِجُرْحَةِ الشُّهُودِ وَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ غَيْرُهُ ‏,‏ أَوْ عَلِمَ كَذِبَ الْمُجَرِّحِينَ لَهُمْ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِعِلْمِهِ فَقَدْ تَنَاقَضُوا‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ وَالْحَاكِمُ إنْ لَمْ يُغَيِّرْ مَا رَأَى مِنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى تَأْتِيَ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ عَصَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ يُغَيِّرَ كُلَّ مُنْكَرٍ عَلِمَهُ بِيَدِهِ ‏,‏ وَأَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ‏,‏ وَإِلَّا فَهُوَ ظَالِمٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1801 - مسألة‏:‏

وَإِذَا رَجَعَ الشَّاهِدُ عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ بِهَا ‏,‏ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا فُسِخَ مَا حَكَمَ بِهَا فِيهِ ‏,‏ فَلَوْ مَاتَ ‏,‏ أَوْ جُنَّ ‏,‏ أَوْ تَغَيَّرَ بَعْدَ أَنْ شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِ ‏,‏ أَوْ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ بِهَا نَفَذَتْ عَلَى كُلِّ حَالٍ ‏,‏ وَلَمْ تُرَدَّ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ أَمَّا مَوْتُهُ وَجُنُونُهُ وَتَغَيُّرُهُ فَقَدْ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ صَحِيحَةً ‏,‏ وَلَمْ يُوجِبْ فَسْخَهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا مَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا رُجُوعُهُ عَنْ شَهَادَتِهِ ‏:‏ فَلَوْ أَنَّ عَدْلَيْنِ شَهِدَا بِجُرْحَتِهِ حِينَ شَهِدَ لَوَجَبَ رَدُّ مَا شَهِدَ بِهِ ‏,‏ وَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْكَذِبِ أَوْ الْغَفْلَةِ أَثْبَتُ عَلَيْهِ مِنْ شَهَادَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ‏.‏ وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ‏.‏

1802 - مسألة‏:‏

وَأَدَاءُ الشَّهَادَةِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَهَا ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حَرَجٌ فِي ذَلِكَ لِبُعْدِ مَشَقَّةٍ ‏,‏ أَوْ لِتَضْيِيعِ مَالٍ ‏,‏ أَوْ لِضَعْفٍ فِي جِسْمِهِ ‏,‏ فَلْيُعْلِنْهَا فَقَطْ‏.‏ قَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا‏}‏ فَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ إذَا دُعُوا لِلشَّهَادَةِ ‏,‏ أَوْ دُعُوا لأََدَائِهَا‏.‏ وَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ ‏,‏ فَيَكُونُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَائِلاً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ‏.‏

1803 - مسألة‏:‏

فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْحَاكِمُ الشُّهُودَ سَأَلَ عَنْهُمْ ‏,‏ وَأَخْبَرَ الْمَشْهُودَ بِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَكَلَّفَ الْمَشْهُودَ لَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ بِعَدَالَتِهِمْ‏.‏ وَقَالَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ‏:‏ اُطْلُبْ مَا تَرُدُّ بِهِ شَهَادَتَهُمْ عَنْ نَفْسِك ‏,‏ فَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ عَدَالَتُهُمْ قَضَى بِهِمْ وَلَمْ يَتَرَدَّدْ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَإِنْ جُرِّحُوا قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يَحْكُمْ بِشَهَادَتِهِمْ ‏,‏ وَإِنْ جُرِّحُوا عِنْدَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ فَسَخَ مَا حَكَمَ بِهِ بِشَهَادَتِهِمْ ‏;‏ لأََنَّهُ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ رَدُّ خَبَرِ الْفَاسِقِ ‏,‏ وَإِنْفَاذُ شَهَادَةِ الْعَدْلِ وَالتَّبَيُّنُ فِيمَا لاَ يُدْرَى حَتَّى يُدْرَى وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1804 - مسألة‏:

وَجَائِزٌ أَنْ تَلِيَ الْمَرْأَةُ الْحُكْمَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏:‏ أَنَّهُ وَلَّى الشِّفَاءَ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِهِ السُّوقَ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إلَى امْرَأَةٍ‏.‏

قلنا ‏:‏ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأَمْرِ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ الْخِلاَفَةُ‏.‏

برهان ذَلِكَ ‏:‏ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام ‏:‏ الْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى مَالِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا‏.‏ وَقَدْ أَجَازَ الْمَالِكِيُّونَ أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً وَوَكِيلَةً وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ مِنْ مَنْعِهَا أَنْ تَلِيَ بَعْضَ الْأُمُورِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1805 - مسألة‏:‏

وَجَائِزٌ أَنْ يَلِيَ الْعَبْدُ الْقَضَاءَ ‏;‏ لأََنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ‏.‏ وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ‏}‏‏.‏ وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ بِعُمُومِهِ إلَى الرَّجُلِ ‏,‏ وَالْمَرْأَةِ ‏,‏ وَالْحُرِّ ‏,‏ وَالْعَبْدِ ‏,‏ وَالدِّينُ كُلُّهُ وَاحِدٌ ‏,‏ إِلاَّ حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ ‏,‏ وَالرَّجُلِ ‏,‏ وَبَيْنَ الْحُرِّ ‏,‏ وَالْعَبْدِ فَيُسْتَثْنَى حِينَئِذٍ مِنْ عُمُومِ إجْمَالِ الدِّينِ‏.‏

وقال مالك ‏,‏ وَأَبُو حَنِيفَةَ ‏:‏ لاَ يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْعَبْدِ الْقَضَاءَ ‏,‏ وَمَا نَعْلَمُ لأََهْلِ هَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلاً وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ انْتَهَى إلَى الرَّبَذَةِ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَإِذَا عَبْدٌ يَؤُمُّهُمْ ‏,‏ فَقِيلَ لَهُ ‏:‏ هَذَا أَبُو ذَرٍّ ‏,‏ فَذَهَبَ يَتَأَخَّرُ ‏,‏ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ ‏:‏ أَوْصَانِي خَلِيلِي يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الأَطْرَافِ‏.‏ فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى وِلاَيَةِ الْعَبْدِ ‏,‏ وَهُوَ فِعْلُ عُثْمَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لاَ يُنْكِرُ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَحَدٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلاَءِ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ ‏:‏ قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏:‏ أَطِعْ الْإِمَامَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعًا‏.‏ فَهَذَا عُمَرُ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ‏.‏

1806 - مسألة‏:‏

وَشَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَى جَائِزَةٌ فِي الزِّنَى وَغَيْرِهِ ‏,‏ وَيَلِي الْقَضَاءَ ‏,‏ وَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ وَلاَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَدْلاً فَيُقْبَلَ ‏,‏ فَيَكُونَ كَسَائِرِ الْعُدُولِ ‏,‏ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ فَلاَ يُقْبَلَ فِي شَيْءٍ أَصْلاً‏.‏ وَلاَ نَصَّ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ ‏,‏ وَأَحْمَدَ ‏,‏ وَإِسْحَاقَ ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ

وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ ‏,‏ وَالشَّعْبِيِّ ‏,‏ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ‏,‏ وَالزُّهْرِيِّ

وَرُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ نَافِعٍ ‏:‏ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ ‏,‏

وقال مالك ‏,‏ وَاللَّيْثُ ‏:‏ يُقْبَلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ فِي الزِّنَى وَهَذَا فَرْقٌ لاَ نَعْرِفُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ‏}‏ وَإِذَا كَانُوا إخْوَانَنَا فِي الدِّينِ فَلَهُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا‏.‏

فإن قيل ‏:‏ قَدْ جَاءَ ‏"‏ وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلاَثَةِ ‏"‏‏.‏ ‏.‏

فَقُلْنَا ‏:‏ هَذَا عَلَيْكُمْ لأََنَّكُمْ تَقْبَلُونَهُ فِيمَا عَدَا الزِّنَى ‏,‏

وَمَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ عِنْدَنَا ‏:‏ أَنَّهُ فِي إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ لِلآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا ‏,‏ وَلأََنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَنْ لاَ يُعْرَفُ أَبُوهُ ‏,‏ وَمَنْ لاَ يَعْدِلُهُ جَمِيعُ أَهْلِ الأَرْضِ ‏,‏ مِنْ حِينِ انْقِرَاضِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1807 - مسألة‏:‏

وَمَنْ حُدَّ فِي زِنًى ‏,‏ أَوْ قَذْفٍ ‏,‏ أَوْ خَمْرٍ ‏,‏ أَوْ سَرِقَةٍ ‏,‏ ثُمَّ تَابَ وَصَلَحَتْ حَالُهُ ‏,‏ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ ‏,‏ وَفِي مِثْلِ مَا حُدَّ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لاَ يَخْلُو هَذَا مِنْ أَنْ يَكُونَ عَدْلاً ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ رَدُّ شَهَادَتِهِ لِغَيْرِهِ ‏,‏ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ ، وَلاَ نَعْلَمُهُ إِلاَّ فِي الْبَدَوِيِّ عَلَى صَاحِبِ الْقَرْيَةِ فَقَطْ ‏,‏ أَوْ لاَ يَكُونُ عَدْلاً فَلاَ يُقْبَلُ فِي شَيْءٍ ‏,‏ وَمَا عَدَا هَذَا فَبَاطِلٌ وَتَحَكُّمٌ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ بِلاَ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ ، وَلاَ مَعْقُولٍ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ فِي الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ خَاصَّةً ‏:‏ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ فِي شَيْءٍ أَصْلاً‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ ‏:‏ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ حُدَّ فِي خَمْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَصْلاً‏.‏ فَهَذَا الْقَوْلُ قَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ الْمَكْذُوبَةِ ‏"‏ الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ مَجْلُودًا حَدًّا أَوْ مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ أَوْ ظَنِينًا فِي وَلاَءٍ أَوْ قَرَابَةٍ ‏"‏

وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ‏.‏ وَقَدْ

قلنا ‏:‏ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ نَصَّ فِي رَدِّ شَهَادَةِ مَنْ ذَكَرْنَا‏.‏

فأما الْقَوْلُ الثَّانِي ‏:‏ فِي تَخْصِيصِ مَنْ حُدَّ فِي الْقَذْفِ ‏,‏ فَإِنَّنَا

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏:‏ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ لاَ تَجُوزُ وَإِنْ تَابَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ عَنْ سَالِمٍ هُوَ الأَفْطَسُ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ ‏:‏ كَانَ أَبُو بَكْرَةَ إذَا أَتَاهُ رَجُلٌ يُشْهِدُهُ قَالَ لَهُ ‏:‏ أَشْهِدْ غَيْرِي فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ فَسَّقُونِي‏.‏ وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ‏,‏ وَالنَّخَعِيِّ ‏,‏ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ‏,‏ وَمُجَاهِدٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَمَسْرُوقٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَعِكْرِمَةَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ‏:‏ أَنَّ الْقَاذِفَ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ‏.‏ وَعَنْ شُرَيْحٍ ‏:‏ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ لاَ تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ أَبَدًا‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَأَصْحَابِهِ ‏,‏ وَسُفْيَانَ‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ ‏:‏ إنْ تَابَ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ‏:‏

رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَتَابَهُمْ يَعْنِي أَبَا بَكْرَةَ وَاَلَّذِينَ شَهِدُوا مَعَهُ فَتَابَ اثْنَانِ وَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ أَنْ يَتُوبَ ‏,‏ وَكَانَتْ شَهَادَتُهُمَا تُقْبَلُ وَكَانَ أَبُو بَكْرَةَ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَلَدَ أَبَا بَكْرَةَ ‏,‏ وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ ‏,‏ وَنَافِعًا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ‏,‏ عَلَى قَذْفِهِمْ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ ‏,‏ وَقَالَ لَهُمْ ‏:‏ مَنْ تَابَ مِنْكُمْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ثَلاَثَةٌ بِالزِّنَى فَجَلَدَهُمْ عُمَرُ وَقَالَ لَهُمْ ‏:‏ تُوبُوا تُقْبَلُ شَهَادَتُكُمْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏:‏ الْقَاذِفُ إذَا تَابَ فَشَهَادَتُهُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ تُقْبَلُ‏.‏ وَصَحَّ أَيْضًا ‏:‏ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ‏,‏ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ‏,‏ وَعَطَاءٍ ‏,‏ وطَاوُوس ‏,‏ وَمُجَاهِدٍ ‏,‏ وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ‏,‏ وَالشَّعْبِيِّ ‏,‏ وَالزُّهْرِيِّ ‏,‏ وَحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ‏,‏ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيِّ ‏,‏ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏,‏ وَعِكْرِمَةَ ‏,‏ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏,‏ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ‏:‏ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ‏,‏ وَسُلَيْمَانِ بْنِ يَسَارٍ ‏,‏ وَابْنِ قُسَيْطٍ ‏,‏ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ‏,‏ وَرَبِيعَةَ ‏,‏ وَشُرَيْحٍ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ‏.‏ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى ‏,‏ وَمَالِكٍ ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ ‏,‏ وَأَبِي ثَوْرٍ ‏,‏ وَأَبِي عُبَيْدٍ ‏,‏ وَأَحْمَدَ ‏,‏ وَإِسْحَاقَ ‏,‏ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا ‏,‏ إِلاَّ أَنَّ مَالِكًا قَالَ ‏:‏ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي مِثْلِ مَا حُدَّ فِيهِ ‏,‏ وَلاَ نَعْلَمُ هَذَا الْفَرْقَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ‏.‏

وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلاَ نَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا فِي قَوْلٍ إِلاَّ شُرَيْحًا وَحْدَهُ ‏,‏ وَخَالَفَ سَائِرَ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ ‏;‏ لأََنَّهُمْ لَمْ يَخُصُّوا مَحْدُودًا مِنْ غَيْرِ مَحْدُودٍ ‏,‏ فَقَدْ خَالَفَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ احْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ وَإِنْ تَابَ ‏:‏ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ ‏,‏ فِيهِ أَنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ إذْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ ‏,‏ قَالَتْ الأَنْصَارُ ‏:‏ الآنَ يَضْرِبُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ ‏,‏ وَيُبْطِلُ شَهَادَتَهُ فِي الْمُسْلِمِينَ‏.‏ وَهَذَا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ ‏;‏ لأََنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ ‏,‏ وَقَدْ شَهِدَ عَلَيْهِ يَحْيَى الْقَطَّانُ ‏:‏ بِأَنَّهُ كَانَ لاَ يَحْفَظُ وَلَمْ يَرْضَهُ وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ ‏:‏ لَيْسَ بِذَلِكَ‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ ‏;‏ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ‏:‏ أَنَّهُ إنْ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ ‏,‏ وَنَحْنُ لاَ نُخَالِفُهُمْ فِي أَنَّ الْقَاذِفَ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ‏.‏

وَأَيْضًا ‏:‏ فَلَيْسَ مِنْ كَلاَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ حُجَّةَ إِلاَّ فِي كَلاَمِهِ عليه الصلاة والسلام‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ مِنْهُمْ ظَنٌّ لَمْ يَصِحَّ ‏,‏ فَمَا ضُرِبَ هِلاَلٌ ‏,‏ وَلاَ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ‏.‏ وَذَكَرُوا خَبَرًا فَاسِدًا ‏:‏ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ‏:‏ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ هَذِهِ صَحِيفَةٌ وَحَجَّاجٌ هَالِكٌ ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفِينَ لَهُ ‏;‏ لأََنَّهُمْ لاَ يَقْبَلُونَ الأَبَوَيْنِ لأَبْنَيْهِمَا ‏,‏ وَلاَ الأَبْنَ لأََبَوَيْهِ ‏,‏ وَلاَ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ ، وَلاَ الْعَبْدَ وَهَذَا خِلاَفٌ مُجَرَّدٌ لِهَذَا الْخَبَرِ‏.‏

وَأَيْضًا فَقَدْ يُضَافُ إلَى هَذَا الْخَبَرِ ‏"‏ إِلاَّ إنْ تَابَ ‏"‏ بِنُصُوصٍ أُخَرَ‏.‏ وَذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا‏}‏ قَالُوا ‏:‏ فَإِنَّمَا اسْتَثْنَى تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْفِسْقِ فَقَطْ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ هَذَا تَخْصِيصٌ لِلآيَةِ بِلاَ دَلِيلٍ بَلْ الأَسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى الْمَنْعِ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ مِنْ أَجْلِ فِسْقِهِمْ ‏,‏ وَإِلَى الْفِسْقِ ‏,‏ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهِ بِغَيْرِ نَصٍّ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ كُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنْ لاَ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَإِنْ تَابَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ قَبُولُهَا ‏,‏ إِلاَّ الْحَسَنُ ‏,‏ وَالنَّخَعِيُّ فَقَطْ‏.‏

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَضَعِيفَةٌ ‏,‏ وَالأَظْهَرُ عَنْهُ خِلاَفُ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ‏"‏ إنَّ الْمُسْلِمِينَ فَسَّقُونِي ‏"‏ فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَصِحَّ ‏,‏ مَا سَمِعْنَا أَنَّ مُسْلِمًا فَسَّقَ أَبَا بَكْرَةَ ‏,‏ وَلاَ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1808 - مسألة‏:‏

وَشَهَادَةُ الأَعْمَى مَقْبُولَةٌ كَالصَّحِيحِ‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ‏,‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا

قلنا‏.‏

وَرُوِيَ ذَلِكَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏,‏ وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ ‏,‏ وَعَطَاءٍ ‏,‏ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ‏,‏ وَالشَّعْبِيِّ ‏,‏ وَشُرَيْحٍ ‏,‏ وَابْنِ سِيرِينَ ‏,‏ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ‏,‏ وَرَبِيعَةَ ‏,‏ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ‏,‏ وَابْنِ جُرَيْجٍ ‏,‏ وَأَحَدِ قَوْلَيْ الْحَسَنِ ‏,‏ وَأَحَدِ قَوْلَيْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ‏,‏ وَأَحَدِ قَوْلَيْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ ‏,‏ وَاللَّيْثِ ‏,‏ وَأَحْمَدَ ‏,‏ وَإِسْحَاقَ ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابِنَا‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيمَا عَرَفَ قَبْلَ الْعَمَى ‏,‏ وَلاَ تَجُوزُ فِيمَا عَرَفَ بَعْدَ الْعَمَى

وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ‏,‏ وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ‏,‏ وَالشَّافِعِيِّ ‏,‏ وَأَصْحَابِهِ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ ‏:‏

رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ كَانُوا يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الأَعْمَى فِي الشَّيْءِ الْخَفِيفِ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ تُقْبَلُ فِي شَيْءٍ أَصْلاً ‏,‏ إِلاَّ فِي الأَنْسَابِ

وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ‏,‏ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَلاَ يَعْرِفُ أَصْحَابُهُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ لاَ تُقْبَلُ جُمْلَةً

رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ‏,‏ وَعَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ‏,‏ وَعَنْ الْحَسَنِ ‏,‏ وَالنَّخَعِيِّ ‏:‏ أَنَّهُمَا كَرِهَا شَهَادَةَ الأَعْمَى‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏:‏ لاَ تُقْبَلُ فِي شَيْءٍ أَصْلاً ‏,‏ لاَ فِيمَا عَرَفَ قَبْلَ الْعَمَى ‏,‏ وَلاَ فِيمَا عَرَفَ بَعْدَهُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ أَمَّا مَنْ أَجَازَهُ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ دُونَ الْكَثِيرِ ‏,‏ فَقَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ ‏,‏ لأََنَّهُ لاَ

برهان عَلَى صِحَّتِهِ ‏,‏ وَمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْكَثِيرِ إِلاَّ مَا حَرَّمَ مِنْ الْقَلِيلِ‏.‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَنْ اقْتَطَعَ بِيَمِينِهِ مَالَ مُسْلِمٍ وَلَوْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَالَمِ كَثِيرٌ إِلاَّ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ ‏,‏ وَهُوَ قَلِيلٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ فَهُوَ قَوْلٌ لاَ يُعْقَلُ فَسَقَطَ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَبِلَهُ فِي الأَنْسَابِ فَقَطْ فَقِسْمَةٌ فَاسِدَةٌ ‏,‏ فَإِنَّهُ لاَ يَعْرِفُ الأَنْسَابَ إِلاَّ مِنْ حَيْثُ يَعْرِفُ الْمُخَبِّرِينَ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمُشْهِدِينَ لَهُ مِنْهُمْ فَقَطْ فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا‏.‏

وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقْبَلْهُ لاَ فِيمَا عَرَفَ قَبْلَ الْعَمَى ، وَلاَ بَعْدَهُ ‏,‏ فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لاَ

برهان عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلاً ‏,‏ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَا عَرَفَهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ ‏,‏ وَبَيْنَ مَا عَرَفَهُ الصَّحِيحُ وَتَمَادَتْ صِحَّتُهُ وَبَصَرُهُ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ هُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‏.‏

قلنا ‏:‏ هَذَا كَذِبٌ ‏,‏ مَا جَاءَ قَطُّ عَنْ عَلِيٍّ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ لاَ يُقْبَلُ فِيمَا عَرَفَ قَبْلَ الْعَمَى وَمَا عُرِفَ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ ‏;‏ لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ أَوْ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَقَدْ رُوِيَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفُ ذَلِكَ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ أَجَازَهُ فِيمَا عَلِمَ قَبْلَ الْعَمَى ‏,‏ وَلَمْ يُجِزْهُ فِيمَا عَلِمَ بَعْدَ الْعَمَى ‏,‏ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الشَّهَادَةِ فَقَالَ ‏:‏ أَلاَ تَرَى الشَّمْسَ عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَهَذَا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ سَنَدُهُ ‏;‏ لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ مَسْمُولٍ وَهُوَ هَالِكٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ ‏,‏ وَقَالُوا ‏:‏ الأَصْوَاتُ قَدْ تَشْتَبِهُ ‏,‏ وَالأَعْمَى كَمَنْ أُشْهِدَ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ خَلْفَ حَائِطٍ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ إنْ كَانَتْ الأَصْوَاتُ تَشْتَبِهُ فَالصُّوَرُ أَيْضًا قَدْ تَشْتَبِهُ ‏,‏ وَمَا يَجُوزُ لِمُبْصِرٍ ، وَلاَ أَعْمَى أَنْ يَشْهَدَ إِلاَّ بِمَا يُوقِنُ ، وَلاَ يَشُكُّ فِيهِ‏.‏ وَمَنْ أُشْهِدَ خَلْفَ حَائِطٍ أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَأَيْقَنَ بِلاَ شَكٍّ بِمَنْ أَشْهَدَهُ فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ فِي ذَلِكَ‏.‏ وَلَوْ لَمْ يَقْطَعْ الأَعْمَى بِصِحَّةِ الْيَقِينِ عَلَى مَنْ يُكَلِّمُهُ لَمَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ ‏,‏ إذْ لَعَلَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ ‏,‏ وَلاَ يُعْطِيَ أَحَدًا دَيْنًا عَلَيْهِ ‏,‏ إذْ لَعَلَّهُ غَيْرُهُ ‏,‏ وَلاَ أَنْ يَبِيعَ مِنْ أَحَدٍ ، وَلاَ أَنْ يَشْتَرِيَ‏.‏ وَقَدْ قَبِلَ النَّاسُ كَلاَمَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ خَلْفِ الْحِجَابِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ إنَّمَا حَلَّ لَهُ وَطْءُ امْرَأَتِهِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ ‏,‏ كَمَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ فِي دُخُولِهَا عَلَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلَعَلَّهَا غَيْرُهَا‏.‏

قلنا ‏:‏ هَذَا بَاطِلٌ ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُوقِنَ أَنَّهَا الَّتِي تَزَوَّجَ‏.‏ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ ‏,‏ وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَعْمَى مِنْ مُبْصِرٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏ وَمَا نَعْلَمُ فِي الضَّلاَلَةِ بَعْدَ الشِّرْكِ وَالْكَبَائِرِ أَكْبَرَ مِمَّنْ دَانَ اللَّهَ بِرَدِّ شَهَادَةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ‏,‏ وَابْنِ أُمِّ كُلْثُومٍ ‏,‏ وَابْنِ عَبَّاسٍ ‏,‏ وَابْنِ عُمَرَ‏.‏ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ‏.‏

1809 - مسألة‏:‏

وَكُلُّ مَنْ سَمِعَ إنْسَانًا يُخْبِرُ بِحَقٍّ لِزَيْدٍ عَلَيْهِ إخْبَارًا صَحِيحًا تَامًّا لَمْ يَصِلْهُ بِمَا يُبْطِلُهُ ‏,‏ أَوْ بِأَنَّهُ قَدْ وَهَبَ أَمْرًا كَذَا لِفُلاَنٍ ‏,‏ أَوْ أَنَّهُ أَنْكَحَ زَيْدًا ‏,‏ أَوْ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ ‏,‏ فَسَوَاءٌ قَالَ لَهُ ‏:‏ اشْهَدْ بِهَذَا عَلَيَّ أَوْ أَنَا أُشْهِدُك أَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ‏,‏ أَوْ لَمْ يُخَاطِبْهُ أَصْلاً ‏,‏ لَكِنْ خَاطَبَ غَيْرَهُ ‏,‏ أَوْ قَالَ لَهُ ‏:‏ لاَ تَشْهَدْ عَلَيَّ فَلَسْت أُشْهِدُك كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ بِكُلِّ ذَلِكَ‏.‏ وَفُرِضَ عَلَى الْحَاكِمِ قَبُولُ تِلْكَ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمُ بِهَا ‏;‏ لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ‏,‏ وَلاَ قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَلاَ قِيَاسٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وقال أبو حنيفة لاَ يَشْهَدُ حَتَّى يُقَالَ لَهُ ‏:‏ اشْهَدْ عَلَيْنَا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏

وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ الشَّاهِدُ لِلْقَاضِي ‏:‏ أَنَا أُخْبِرُك ‏,‏ أَوْ أَنَا أَقُولُ لَك ‏,‏ أَوْ أَنَا أُعْلِمُك ‏,‏ أَوْ لَمْ يَقُلْ ‏:‏ أَنَا أَشْهَدُ فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَكُلُّ ذَلِكَ شَهَادَةٌ تَامَّةٌ فُرِضَ عَلَى الْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِهَا ‏;‏ لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ ‏,‏ وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٌ ‏,‏ وَلاَ مَعْقُولٌ ‏:‏ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ إنَّ الْقُرْآنَ ‏,‏ وَالسُّنَّةَ وَرَدَا بِتَسْمِيَةِ ذَلِكَ شَهَادَةً‏.‏

قلنا ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ حَتَّى يَقُولَ ‏:‏ أَنَا أَشْهَدُ فَقَدْ جَعَلْنَا مُعْتَمَدَنَا وَجَعَلْتُمْ مُعْتَمَدَكُمْ فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا‏}‏‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ نَبَأٌ ‏,‏ وَكُلَّ نَبَأٍ شَهَادَةٌ وَكِلاَهُمَا خَبَرٌ ‏,‏ وَكِلاَهَا قَوْلٌ ‏,‏ وَكُلُّ ذَلِكَ حِكَايَةٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1810 - مسألة‏:‏

وَالْحُكْمُ بِالْقَافَةِ فِي لِحَاقِ الْوَلَدِ وَاجِبٌ فِي الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏.‏

وقال مالك ‏:‏ يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمْ فِي وَلَدِ الأَمَةِ ‏,‏ وَلاَ يُحْكَمُ بِهِ فِي وَلَدِ الْحُرَّةِ وَهَذَا تَقْسِيمٌ بِلاَ

برهان‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏:‏ لاَ يُحْكَمُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ‏.‏

برهان صِحَّةِ قَوْلِنَا ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُرَّ بِقَوْلِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ إذْ رَأَى أَقْدَامَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ‏,‏ وَابْنَهُ أُسَامَةَ فَقَالَ ‏:‏ إنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَهُوَ عليه الصلاة والسلام لاَ يُسَرُّ بِبَاطِلٍ ‏,‏ وَلاَ يُسَرُّ إِلاَّ بِحَقٍّ مَقْطُوعٍ بِهِ‏.‏ فَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُخَالِفُ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتَ عَنْهُ وَيُنْكِرُ عِلْمًا صَحِيحًا مَعْرُوفَ الْوَجْهِ ‏,‏ ثُمَّ يَرَى أَنْ يُلْحِقَ الْوَلَدَ بِأَبَوَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبُوهُ ‏,‏ وَبِامْرَأَتَيْنِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أُمُّهُ فَيَأْتِي مِنْ ذَلِكَ بِمَا لاَ يُعْقَلُ ‏,‏ وَلاَ جَاءَ بِهِ قَطُّ قُرْآنٌ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ‏.‏ وَالْعَجَبُ مِنْ مَالِكٍ إذْ يَحْتَجُّ بِخَبَرِ مُجَزِّزٍ الْمَذْكُورِ ‏,‏ ثُمَّ يُخَالِفُهُ ‏,‏ لأََنَّ مُجَزِّزًا إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي ابْنِ حُرَّةٍ لاَ فِي ابْنِ أَمَةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1811 - مسألة‏:‏

وَلاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ إِلاَّ مِمَّنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ الْقُرَشِيُّ الْوَاجِبَةُ طَاعَتُهُ ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ أَنْفَذَ حَقًّا فَهُوَ نَافِذٌ ‏,‏ وَمَنْ أَنْفَذَ بَاطِلاً فَهُوَ مَرْدُودٌ‏.‏

برهان ذَلِكَ ‏:‏ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ طَاعَةِ الْإِمَامِ قَبْلُ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ‏}

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى‏}‏ وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ‏.‏

وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ حَكَمَ فَهُوَ نَافِذٌ حُكْمُهُ ‏,‏ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لاَ يُنْفِذُوا حُكْمَ أَحَدٍ إِلاَّ مَنْ أَوْجَبَ الْقُرْآنُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَاذَ حُكْمِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1812 - مسألة‏:‏

وَالارْتِزَاقُ عَلَى الْقَضَاءِ جَائِزٌ لِلثَّابِتِ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام مَنْ أَتَاهُ مَالٌ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أَوْ إشْرَافِ نَفْسٍ فَلْيَأْخُذْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1813 - مسألة‏:‏

وَجَائِزٌ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْزِلَ الْقَاضِيَ مَتَى شَاءَ عَنْ غَيْرِ خَرِبَةٍ ‏,‏ قَدْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا إلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا ‏,‏ ثُمَّ صَرَفَهُ حِينَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى الْيَمَنِ بَعْدَهَا‏.‏

1814 - مسألة‏:‏

وَمَنْ قَالَ لَهُ قَاضٍ ‏:‏ قَدْ ثَبَتَ عَلَى هَذَا ‏:‏ الصَّلْبُ ‏,‏ أَوْ الْقَتْلُ ‏,‏ أَوْ الْقَطْعُ ‏,‏ أَوْ الْجَلْدُ ‏,‏ أَوْ أَخْذُ مَالٍ مِقْدَارُهُ كَذَا مِنْهُ ‏,‏ فَأَنْفِذْ ذَلِكَ عَلَيْهِ ‏:‏ فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إنْفَاذُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانَ الآمِرُ لَهُ جَاهِلاً ‏,‏ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ إِلاَّ حَتَّى يُوقِنَ أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ لَهُ فَيَلْزَمُهُ إنْفَاذُهُ حِينَئِذٍ وَإِلَّا فَلاَ‏.‏ وَإِنْ كَانَ الآمِرُ لَهُ عَالِمًا فَاضِلاً لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَيْضًا إنْفَاذُ أَمْرِهِ إِلاَّ حَتَّى يَسْأَلَهُ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِذَا أَخْبَرَهُ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ لَزِمَهُ إنْفَاذُ ذَلِكَ ‏,‏ وَعَلَيْهِ أَنْ يَكْتَفِيَ بِخَبَرِ الْحَاكِمِ الْعَدْلِ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَلاَ يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُهُ فِيمَا رَأَى أَنَّهُ فِيهِ مُخْطِئٌ‏.‏

وَأَمَّا الْجَاهِلُ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ إنْفَاذُ أَمْرِ مَنْ لَيْسَ عَالِمًا فَاضِلاً‏.‏ فَإِنْ كَانَ الآمِرُ لَهُ عَالِمًا فَاضِلاً سَأَلَهُ ‏:‏ أَوْجَبَ ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ‏.‏ فَإِنْ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ لَزِمَهُ إنْفَاذُ ذَلِكَ ‏,‏ وَإِلَّا فَلاَ ‏,‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ ، وَلاَ يَحِلُّ أَخْذُ قَوْلِ أَحَدٍ بِلاَ

برهان‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1815 - مسألة‏:‏

وَمَنْ ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ غَيْرِهِ فَإِنْ أَقَامَ فِيهِ الْبَيِّنَةَ ‏,‏ أَوْ أَقَامَ كِلاَهُمَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ بِهِ لِلَّذِي لَيْسَ الشَّيْءُ فِي يَدِهِ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي بَيِّنَةٍ مَنْ الشَّيْءُ فِي يَدِهِ بَيَانٌ زَائِدٌ بِانْتِقَالِ ذَلِكَ الشَّيْءِ إلَيْهِ ‏,‏ أَوْ يُلَوِّحُ بِتَكْذِيبِ بَيِّنَةِ الآخَرِ

وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ ‏,‏ وَأَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ‏,‏ وَأَبِي سُلَيْمَانَ‏.‏

وقال مالك ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏:‏ يُقْضَى بِهِ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ ‏,‏ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهُ قَدْ تَكَاذَبَتْ الْبَيِّنَتَانِ ‏,‏ فَوَجَبَ سُقُوطُهُمَا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا ‏,‏ بَلْ بَيِّنَةٌ مَنْ الشَّيْءُ فِي يَدِهِ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ ‏;‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْهُمْ بِبَيِّنَةٍ ‏,‏ إنَّمَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ‏.‏ قَالَ عليه الصلاة والسلام ‏:‏ بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ‏.‏ فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يُلْتَفَتُ إلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1816 - مسألة‏:

فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الشَّيْءُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَأَقَامَ كِلاَهُمَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا ‏,‏ فَلَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا ‏,‏ فَأَقَامَا فِيهِ بَيِّنَةً أَوْ لَمْ يُقِيمَا قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا‏.‏ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ أَنَّهُ لَهُمَا فَهُوَ لَهُمَا‏.‏

وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَهُوَ لَهُمَا ‏;‏ لأََنَّهُ بِأَيْدِيهِمَا مَعَ أَيْمَانِهِمَا‏.‏

وَأَمَّا إذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً فَإِنَّ بَيِّنَتَهُ لاَ تُسْمَعُ فِيمَا فِي يَدِهِ كَمَا قَدَّمْنَا وَقَدْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَتُهُ بِمَا فِي يَدِ الآخَرِ فَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1817 - مسألة‏:‏

فَإِنْ تَدَاعَيَاهُ ‏,‏ وَلَيْسَ فِي أَيْدِيهِمَا ‏,‏ وَلاَ بَيِّنَةَ لَهُمَا ‏:‏ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْيَمِينِ ‏,‏ فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ حَلَفَ وَقُضِيَ لَهُ بِهِ وَهَكَذَا كُلُّ مَا تَدَاعَيَا فِيهِ مِمَّا يُوقِنُ بِلاَ شَكٍّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا جَمِيعًا ‏,‏ كَدَابَّةٍ يُوقِنُ أَنَّهَا نِتَاجُ إحْدَى دَابَّتَيْهِمَا ‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَبِي مُوسَى ‏:‏ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا أَوْ دَابَّةً فَأَتَيَا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَجَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهَا‏.‏

وبه إلى قَتَادَةَ عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَصَمَ إلَيْهِ رَجُلاَنِ فِي مَتَاعٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ اسْتَهِمَا عَلَى الْيَمِينِ مَا كَانَ أَحَبَّا ذَلِكَ أَمْ كَرِهَا

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا دَابَّةً وَلَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ ‏,‏ فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَهِمَا عَلَى الْيَمِينِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَالْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ هُوَ فِي أَيْدِيهِمَا ‏;‏ لأََنَّهُ لَهُمَا بِظَاهِرِ الْيَدِ ‏,‏ وَالْقُرْعَةِ حَيْثُ لاَ حَقَّ لَهُمَا ‏,‏ وَلاَ لأََحَدِهِمَا ‏,‏ وَلاَ لِغَيْرِهِمَا فِيهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ‏:‏ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْمُضَاءِ قَاضِي الْمِصِّيصَةِ قَالَ ‏:‏ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا دَابَّةً وَجَدَاهَا عِنْدَ رَجُلٍ ‏,‏ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ أَنَّهَا دَابَّتُهُ فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ‏.‏ فَهَذَا نَصٌّ عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَيْسَ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمَا لأََنَّهُ إذَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا فَهُوَ بِلاَ شَكٍّ لَهُمْ بِظَاهِرِ الأَمْرِ ‏,‏ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَيْدِيهِمَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ الْبَيِّنَةَ فَقَدْ شَهِدَ بِهِ لَهُمَا ‏,‏ وَلَيْسَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى ‏,‏ فَالْوَاجِبُ قِسْمَتُهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا‏.‏

وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَيْدِيهِمَا وَلَمْ يُقِمْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِيهِ الْبَيِّنَةَ ‏,‏ وَلاَ كِلاَهُمَا ‏,‏ فَهُمَا مُدَّعِيَانِ وَلَيْسَ لَهُمَا أَصْلاً ، وَلاَ لِمُدَّعًى عَلَيْهِ سِوَاهُمَا‏.‏

وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لاَ تَجُوزُ الْبَيِّنَةُ أَنْ تَكُونَ لَهُمَا جَمِيعًا لَكِنْ لأََحَدِهِمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ غَيْرِهِمَا ‏,‏ وَلاَ فِي أَيْدِيهِمَا ‏,‏ أَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا ‏,‏ فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يُقْرَعُ عَلَى الْيَمِينِ ‏,‏ وَلاَ تَجُوزُ قِسْمَتُهُ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ ذَلِكَ ظُلْمًا مَقْطُوعًا بِهِ ‏,‏ وَقَضِيَّةَ جَوْرٍ بِلاَ شَكٍّ فِيهَا ‏,‏ وَهَذَا لاَ يَحِلُّ أَصْلاً ‏,‏ قَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ‏}‏ وَالْجَوْرُ الْمُتَيَقَّنُ إثْمٌ وَعُدْوَانٌ لاَ شَكَّ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ‏:‏ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ‏:‏ إذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ فَسَوَاءٌ كَانَ الشَّيْءُ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا ‏,‏ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ‏:‏ هُوَ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ مَعَ أَيْمَانِهِمَا‏.‏

وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُقِيمَا بَيِّنَةً وَالشَّيْءُ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا وَلَيْسَ فِي أَيْدِيهِمَا ، وَلاَ مُدَّعِيَ لَهُ سِوَاهُمَا ‏,‏ فَأَيُّهُمَا نَكَلَ قُضِيَ بِهِ لِلَّذِي حَلَفَ‏.‏ فَإِنْ وَقَّتَتْ كِلْتَا الْبَيِّنَتَيْنِ قُضِيَ بِهِ لِصَاحِبِ الْوَقْتِ الأَوَّلِ‏.‏ فَإِنْ وَقَّتَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ وَلَمْ تُوَقِّتْ الْأُخْرَى قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا‏.‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ‏:‏ قُضِيَ بِهِ لِلَّذِي وَقَّتَتْ بَيِّنَتُهُ‏.‏ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ‏:‏ بَلْ لِلَّذِي لَمْ تُوَقِّتْ بَيِّنَتُهُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ كُلُّ مَا خَالَفَ مِمَّا ذَكَرْنَا حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَوْرَدْنَا فَهُوَ بَاطِلٌ ‏;‏ لأََنَّهُ قَوْلٌ بِلاَ

برهان

وقال مالك ‏:‏ يُقْضَى بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ‏.‏

قال علي ‏:‏ وهذا قَوْلٌ فَاسِدٌ ‏;‏ لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ

برهان قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ ‏,‏ وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ ‏,‏ وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَلاَ يُؤَيِّدُهُ قِيَاسٌ ‏,‏ وَإِنَّمَا كُلِّفْنَا عَدَالَةَ الشُّهُودِ فَقَطْ ‏,‏ وَلاَ فَضْلَ فِي ذَلِكَ لأََعْدَلِ الْبَرِيَّةِ عَلَى عَدْلٍ ‏,‏ وَهُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه بِطَلاَقٍ ‏,‏ فَإِنَّهُ لاَ يُقْضَى بِذَلِكَ ‏,‏ فَلَوْ شَهِدَ بِهِ عَدْلاَنِ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ قُضِيَ بِهِ‏.‏ وَأَيْنَ تَرْجِيحُ أَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ

وَهَذَا قَوْلٌ خَالَفَ فِيهِ كُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَفْظَةً مِنْ الصَّحَابَةِ إنَّمَا رُوِيَ الْقَوْلُ بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ ‏:‏ فَإِنْ تَكَافَأَتْ فِي الْعَدَالَةِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا‏.‏ وَجَاءَ عَنْ عَطَاءٍ ‏,‏ وَالْحَسَنِ

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ تَغْلِيبُ أَكْثَرِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَدَدًا وَقَالَ بِهِ الأَوْزَاعِيِّ إذَا تَكَافَأَ عَدَدُهُمَا‏.‏ وَاضْطَرَبَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ ‏:‏ فَمَرَّةً قَالَ ‏:‏ يُوقَفُ الشَّيْءُ‏.‏ وَمَرَّةً قَالَ ‏:‏ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا‏.‏ وَمَرَّةً قَالَ ‏:‏ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا‏.‏

وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ ‏,‏ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ ‏,‏ وَأَبُو عُبَيْدٍ ‏:‏ إذَا ادَّعَى اثْنَانِ شَيْئًا لَيْسَ فِي أَيْدِيهِمَا ‏,‏ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ الْعَدْلَةَ ‏:‏ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا ‏,‏ وَقُضِيَ بِذَلِكَ الشَّيْءِ لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ ‏,‏ وَلاَ مَعْنَى لأََكْثَرِ الْبَيِّنَتَيْنِ ‏,‏ وَلاَ لأََعْدَلِهِمَا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ ‏(‏إذَا اسْتَوَى الشُّهُودُ أُقْرِعَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ‏)‏ فَهُوَ عَلَيْهِمْ ‏,‏ لأََنَّ فِيهِ الْإِقْرَاعَ ‏,‏ وَلاَ يَقُولُونَ بِهِ‏.‏

1818 - مسألة‏:

‏[‏ وَتُقْبَلُ ‏]‏ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ ‏,‏ وَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ عَلَى وَاحِدٍ‏.‏ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا ‏:‏ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ‏,‏ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ‏:‏ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى شَهَادَةِ الْحَاضِرِ فِي الْمِصْرِ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا‏.‏

وقال مالك ‏:‏ لاَ تُقْبَلُ عَلَى شَهَادَةِ الْحَاضِرِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا ‏,‏ وَلَمْ يَحُدَّ عَنْهُ مِقْدَارَ الْمَسَافَةِ الَّتِي إذَا كَانَ الشَّاهِدُ بَعِيدًا عَلَى قَدْرِهَا قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى شَهَادَتِهِ‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏,‏ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ ‏,‏ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ‏:‏ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ إِلاَّ إذَا كَانَ عَلَى مِقْدَارٍ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ لَمْ نَجِدْ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَةِ الْحَاضِرِ ‏:‏ حُجَّةً أَصْلاً ‏,‏ لاَ مِنْ قُرْآنٍ ‏,‏ وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ ‏,‏ وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ سَلَفَ ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٍ ‏,‏ وَلاَ مَعْقُولٍ ‏,‏ لاَ سِيَّمَا هَذِهِ الْحُدُودُ الْفَاسِدَةُ‏.‏ وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى ‏,‏ بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْعُدُولِ ‏,‏ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ شَهَادَةُ عُدُولٍ ‏,‏ فَقَبُولُهَا وَاجِبٌ ‏,‏

وَكَذَلِكَ لَوْ بَعُدَتْ جِدًّا ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي كَمْ تُقْبَلُ عَلَى شَهَادَةِ الْعُدُولِ فَرُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ ضُمَيْرَةَ وَهُوَ مُطَّرِحٌ أَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ إِلاَّ اثْنَانِ ‏,‏ وَعَنْ رَبِيعَةَ مِثْلُهُ

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ‏,‏ وَمَالِكٍ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّهُمَا أَجَازَا شَهَادَةَ ذَيْنِكَ الاِثْنَيْنِ أَيْضًا عَلَى شَهَادَةِ الْعَدْلِ الآخَرِ‏.‏

وقال الشافعي ‏:‏ لاَ بُدَّ مِنْ أُخْرَى عَلَى شَهَادَةِ الآخَرِ ‏,‏ فَلاَ يُقْبَلُ عَلَى شَهَادَةِ اثْنَيْنِ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ ‏,‏ وَلاَ يُقْبَلُ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ فِي الزِّنَى إِلاَّ سِتَّةَ عَشَرَ عَدْلاً‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِثْلَ قَوْلِنَا ‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ رُزَيْقٍ قَالَ قَرَأْت فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى أَبِي ‏:‏ أَنْ أَجِزْ شَهَادَةَ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ آخَرَ وَذَلِكَ فِي كَسْرِ سِنٍّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ ‏,‏ وَمَعْمَرٍ ‏,‏ قَالَ سُفْيَانُ ‏:‏ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ‏:‏ إنَّهُ كَانَ يُجِيزُ شَهَادَةَ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ ‏:‏ إنَّهُ كَانَ يُجِيزُ شَهَادَةَ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ ‏,‏ وَيَقُولُ لَهُ ‏:‏ أَشْهِدْنِي ذَوَيْ عَدْلٍ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ ‏,‏ وَالْقُضَاةِ قَبْلَهُ ‏,‏ وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ

وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ‏,‏ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى ‏,‏ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ‏,‏ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ‏,‏ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ ‏,‏ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ‏,‏ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ وَاحِدٍ وَبَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَبْيِينِ الْحَقِّ بِذَلِكَ ‏,‏ كِلاَهُمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْوَاحِدِ ‏,‏ فَكُلَّمَا قَالَ قَائِلٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ ‏:‏ إنَّهُ بَيِّنَةٌ فَهُوَ بَيِّنَةٌ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ ‏,‏ وَالْخَبَرُ يُؤْخَذُ مِنْ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ‏.‏ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ شَاهِدٍ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدٍ‏.‏ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ وَهُوَ هَالِكٌ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَهُوَ تَالِفٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ غَيْرَ نَعْيِهِ النُّعْمَانُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ فِي حَدٍّ ‏,‏ وَلاَ فِي دَمٍ ، وَلاَ فِي طَلاَقٍ ‏,‏ وَلاَ نِكَاحٍ ‏,‏ وَلاَ عِتْقٍ ‏,‏ إِلاَّ فِي الْمَالِ وَحْدَهُ‏.‏

وَرُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ‏.‏ وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ ‏,‏ وَقَتَادَةَ ‏,‏ وَالنَّخَعِيِّ ‏:‏ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ فِي حَدٍّ

وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ شُرَيْحٍ ‏,‏ وَمَسْرُوقٍ ‏,‏ وَالْحَسَنِ ‏,‏ وَابْنِ سِيرِينَ‏.‏

وقال أبو حنيفة ‏:‏ تَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ‏.‏

وقال مالك ‏,‏ وَاللَّيْثُ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏:‏ يَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ تَخْصِيصُ حَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِنَصٍّ ‏,‏ وَلاَ نَصَّ فِي ذَلِكَ هَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ لاَ يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ‏,‏ وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ مَالِكٌ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏